أكدت نهاد شين؛ مستشارة الأمن البحري التونسية، أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تعزز مكانة المملكة كمركز تجاري عالمي.
وقالت إن حركة التجارة العالمية، وسلاسل الإمداد، تعتمد على أمن الممرات البحرية لنقل البضائع والطاقة. مشددة على أن الأمن البحري يحظى بالاهتمام الأكبر لدى كل المنظمات الدولية.
وفي حوار خاص مع “عالم الموانئ”، لفتت نهاد شين إلى التصاعد المتزايد للجرائم والهجمات السيبرانية على السفن، مشيرة إلى ارتفاع وتيرة هذه الهجمات، لتبلغ نحو 150 هجمة في عام 2023.. وإلى نص الحوار:
الأمن البحري من أهم قضايا عام 2025 في ظل تصاعد الهجمات السيبرانية.. فكيف يمكن مواجهة هذا التصعيد؟
الأمن البحري يمثل تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية، والحكومات أيضا. في ظل ما تمثله البحار والمحيطات من عصب حيوي للتجارة العالمية، ونقل الطاقة، والبضائع.
وشهدنا خلال السنوات الأخيرة زيادة في الأعمال غير المشروعة بالبحر، مثل: القرصنة، والجريمة المنظمة المرتبطة بالاتجار في المخدرات، وغيرها.
وتُعرف منطقة جنوب شرق آسيا بأنها من المناطق الأكثر خطورة، تليها المنطقة الغربية لأمريكا الجنوبية، ثم خليج غينيا وعدن والبحر الأحمر.
كما أكد التقرير السنوي لمركز الإبلاغ عن القرصنة، التابع للمكتب البحري الدولي، أن معدل الحوادث خلال الفترة من 2019 إلى 2023، بلغ 145 حادثا. وذلك لعدة أسباب منها: عدم الاستقرار الجيوسياسي العالمي. بالإضافة إلى افتقار اتفاقية قانون البحار 1982 لإطار قوي في مواجهة الجرائم البحرية.
وأيضا صعوبة تطبيق معايير الاتفاقيات الخاصة بالتعاون الجنائي لمكافحة الأعمال غير القانونية في البحار. ما يجعل الملاحقة القضائية للجرائم البحرية غير فاعلة. كما أن العقبات السياسية والدبلوماسية والتقنية كثيرًا ما تُعقّد التعاون المطلوب بين الدول. في القبض على الجناة ومحاكمتهم وتسليمهم.
وأيضا بالنسبة للبلدان النامية فهي تفتقر إلى الموارد البشرية والمالية اللازمة لمراقبة مناطقها البحرية بفاعلية، أو تدريب قواتها الأمنية.
وهناك أيضا التطور التكنولوجي والتقني للسفن، والأنشطة اللوجستية بالموانئ. الذي يسهّل للقراصنة شن الهجمات السيبرانية.
إجراءات مكافحة هذه الظواهر
وكيف يمكن مواجهة هذه الظواهر الخطيرة والحد منها؟
لا شك أنه يتعين اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تتسم بالحيطة واليقظة. وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة هذه الظواهر، ولاسيما فيما يتعلق باتخاذ عدد من الإجراءات، مثل:
تعديل الدول الأعضاء قوانينها المحلية، لتتناسب مع المعايير الدولية الخاصة بدعم الأمن البحري والمينائي. حيث تسهم هذه المواءمة في تعزيز الأمن البحري، وكفاءة العمليات عبر توحيد الإجراءات الوطنية مع الالتزامات الدولية، وضمان تنفيذها الفاعل.
وأيضا تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول الأعضاء، خاصة في المناطق التي تشهد تهديدات أمنية مرتفعة. فعلى سبيل المثال هناك مدونة سلوك جيبوتي، المتعلقة بقمع أعمال القرصنة والسطو المسلّح، والأنشطة غير المشروعة في غرب المحيط الهندي، ومنطقة خليج عدن. وأيضا مدونة “سلوك ياوندي” لخليج غينيا.
كما يجب الانتباه إلى أن التعاون الإقليمي بين الدول يحتاج لإجراءات موحدة في محاربة الجرائم البحرية. مع أهداف واضحة، وتدريب متقدم، ومتواصل للكوادر الفاعلة.
وما تقييمك لمواجهة الهجمات السيبرانية؟
في الحقيقة ليس هناك حلول جذرية تضمن الحماية الكاملة، من الهجمات السيرانية. لأن أساليب الهجوم تتطور باستمرار. لكن تفادي هذه التهديدات يستوجب تحديث الأنظمة دوريا. وإنشاء نسخ احتياطية، وأنظمة طوارئ، للحد من تأثير الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي استخدام تقنيات تشفير قوية، وتدريب العاملين على التعامل مع المخاطر السيبرانية.
وبالنسبة للبحّارة فينبغي إدراج دروس حول الأمن السيبراني، كتدريب أساس ضمن الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب، والإجازة والخفارة للملاحين (STCW).
كيف ترين مخاطر تعطيل حركة السفن؟
تؤدي الأنشطة غير القانونية في العادة إلى تعطيل حركة السفن بالممرات البحرية الحيوية. وهذه الأنشطة تسبب تأخيرا في مواعيد الشحنات. بسبب الحاجة إلى اتخاذ مسارات بديلة تزيد كلفة التأمين على السفن.
فمع تزايد المخاطر في هذه المناطق، ترفع شركات التأمين الأقساط لتغطية الحوادث والتهديدات المحتملة. ما يزيد من كلفة النقل البحري، ويؤثر في أسعار السلع.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي انتشار الجرائم المنظمة إلى تدهور الأسواق القانونية، ويؤثر سلبًا في المنافسة التجارية العادلة.
إلى جانب أنه يزيد من المخاطر على السفن التجارية. ما يهدد استقرار الموانئ والأمن البحري بشكل عام.
ما أهم قرارات المنظمة البحرية الدولية لمواجهة تلك التحديات؟
تُعد المنظمة البحرية الدولية الجهة الفاعلة الأولى، في تأمين النقل البحري. ومنذ تأسيسها أصدرت أكثر من 50 اتفاقية لمواكبة التعديلات المتواصلة، التي تفرضها التطورات الاقتصادية والتكنولوجية.
وأيضًا استجابة للحوادث الطارئة في مجال الأمن البحري. كما أنها تدعم الدول الأعضاء، عن طريق التعاون الفني لبناء القدرات، في مجال التعرف على التهديدات الأمنية ومكافحتها.
وكان دور المنظمة البحرية الأساسي يقتصر على توفير الإطار التنظيمي لأعضائها. لكن ذلك لم يكن كافيًا لضمان التطبيق التام للمتطلبات، المتعلقة بالأمن والسلامة البحرية.
ولضمان الامتثال الكامل للمعايير البحرية الدولية، وضعنا نظام تدقيق إلزامي، لتقييم مدى امتثال الدول لأحكام الاتفاقيات، وتفادي الثغرات في تنفيذ الأحكام.
كما تتعاون المنظمة مع عدة منظمات أخرى، مثل: منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمخدرات والجريمة (UNODC). وذلك لدعم الجهود القانونية، ومبادرات بناء القدرات لمكافحة الجريمة المنظمة في البحر.
وتتعاون المنظمة البحرية الدولية مع الإنتربول (INTERPOL)، لتعزيز التعاون الشرطي الدولي، في تتبع الأنشطة الإجرامية البحرية. وأيضًا المنظمة الدولية للهجرة (IOM). بهدف التصدي للاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية عبر البحر.
الملتقى الحر السعودي الدولي 2024 على الأمن البحري في عصر الذكاء الاصطناعي.. فما إنجازات المملكة بهذا الصدد؟
من خلال الملتقى الحر السعودي الدولي الثالث لعام 2024، أظهرت المملكة العربية السعودية ريادتها في العديد من المشاريع المستقبلية، المتعلقة بالأمن البحري والتكنولوجيا. ومن أهم مجالات الأمن البحري والتكنولوجيا، يأتي مجال الذكاء الاصطناعي الذي يعد من أبرز التحديات الحالية والمستقبلية.
لذا فإن المبادرات التي تطلقها المملكة السعودية، تأتي متماشية مع رؤية 2030. التي تركز على التحول التكنولوجي، وتعزيز القدرة التنافسية، في مختلف القطاعات. بما في ذلك الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
وتعمل السعودية على ابتكار حلول متقدمة بمجال السياسات والتنظيمات. لدمج الذكاء الاصطناعي في العمليات البحرية، والصناعات العسكرية، بما يعزز قدرتها على التصدي للتحديات البحرية الحديثة.
فيما تدعم هذه المشاريع بناء القدرات وتطوير الكوادر البشرية لتواكب التقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي. ويسهم هذا في تحسين فاعلية العمليات البحرية والتدريب المتخصص، وتوفير بيئة آمنة ومستدامة على المستويين المحلي والعالمي.
رغم استمرار أزمة البحر الأحمر فإن شركات شحن عديدة حققت أرباحًا.. كيف تفسرين ذلك؟
هناك عدة إستراتيجيات تتبعها الشركات العملاقة في مجال الشحن. ما يجعلها لا تتأثر بأزمة البحر الأحمر، مثل: شركتي (CMA CGM) و”إيفرجرين”.
ومن الإجراءات التي اتبعتها هاتان الشركتان، زيادة أسعار الشحن، نتيجة القيود المفروضة على العرض. خاصة عقب أزمة “جائحة كورونا”، وارتفاع سعر الوقود، وهذا الارتفاع في الأسعار ساعد بشكل كبير على تحسين الإيرادات.
تنويع الممرات البحرية
علاوة على ذلك أدى تنويع الممرات البحرية دورًا حيويًا. إذ كانت الشركات الكبرى تمتلك أساطيل بحرية ضخمة تسمح لها بالتكيف مع الأزمات. عن طريق استخدام طرق بحرية بديلة.
بينما أسهم أيضا الطلب المتزايد على السلع، بسبب التجارة الإلكترونية، في زيادة حجم الشحنات، وهو ما ضاعف أرباح هذه الشركات. كما أدت التحسينات التكنولوجية واللوجستية دورًا أساسيًا في رفع قدرة الشركات على التكيف بسرعة، مع الظروف المتغيرة.
وأخيرًا ساعد توسع الشركات الكبرى في أسواق جديدة، مثل: آسيا وإفريقيا في تعويض الخسائر الناجمة عن الأزمة بالبحر الأحمر، ما جعلها أكثر مرونة لمواجهة التحديات العالمية.
حققت السعودية قفزات كبيرة على مستوى الموانئ البحرية وفقًا لرؤية 2030.. فكيف تقرئين هذا المشهد؟
رؤية 2030 خطة إستراتيجية طموحة وشاملة، وضعتها المملكة العربية السعودية لتعزيز مكانتها، كمركز عالمي للتجارة الدولية. مع التركيز على تطوير قطاع النقل البحري واللوجستيات.
ويشمل ذلك تحديث الموانئ السعودية، مثل: مينائي جدة والملك عبد العزيز، وتطبيق أحدث التقنيات كالأتمتة والخدمات الرقمية.
إلى جانب توسيع الأسطول التجاري وزيادة قدرته التنافسية على المستوى العالمي، كما يتم تخصيص استثمارات لتحديث السفن، وتوسيع خطوط الشحن، وتطوير البنية التحتية اللوجستية لتسهيل حركة البضائع.
موقع إستراتيجي للمملكة
وتتمتع المملكة العربية السعودية بميزة إستراتيجية بفضل موقعها الجغرافي، الذي يربط بين ثلاث قارات، ما يجعلها نقطة محورية في سلاسل الإمداد العالمية. ويعزز هذا الموقع قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع الشراكات الدولية.
فيما توفر المشاريع الكبرى، مثل: “نيوم”، والمناطق الاقتصادية الحرة، فرصًا لتطوير بنية تحتية حديثة، وتحقيق تحول رقمي ملموس.
ويعظم هذا من قدرة المملكة العربية السعودية التنافسية، كما يضعها في مقدمة الاقتصاد البحري المستدام.
وعلى الرغم من التحديات المحيطة، فإن رؤية القيادة الحكيمة، قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة في إطار رؤية 2030. وأهمها تعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية عالمية.
مع قرب انتهاء الربع الأول من العام 2025 ماذا تتوقعين لمجال النقل البحري؟
أتوقع أن يشهد قطاع النقل البحري تغييرات كبيرة، تؤثر في بنيته العالمية. ومن أبرز هذه التغييرات، إعادة تشكيل تحالفات النقل البحري. خاصة انفصال “ميرسك”، و”MSC”، مما يتيح فرصًا جديدة للتعاون الاستراتيجي بين الموانئ، والخطوط البحرية.
وهذا التغيير يؤثر في موانئ مهمة، مثل: “LE havre”، و”Marseille-fos”، و”Tager -Med”. إلى جانب أن دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تسعى إلى تطوير بنى تحتية حديثة للموانئ. بهدف لتعزيز مكانتها كقوة بحرية إقليمية، وذلك يسهم في رفع تنافسيتها على المستوى العالمي.
ننتقل للحديث عن التوترات الإقليمية بالبحر الأحمر ما تقييمك لتأثيرها؟
التوترات الإقليمية في البحر الأحمر تزيد من التكاليف والمخاطر، كما تهدد التوترات في مضيق هرمز، أمن الطرق البحرية. وهذا كله يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد.
وهنا أود أن أشير إلى أنه خلال عامي 2023 و2024 ارتفع عدد السفن التي ترفع أعلام الراحة “convenience flags”، أو أعلامًا زائفة “false flags”. وكذلك السفن الشبحية “Gohst ships”. وهذه السفن تمثل تهديدًا كبيرًا للأمن البحري، ولسلامة الأرواح والملاحة والبيئة. حيث إنها تتهرب من تطبيق متطلبات اللوائح الدولية.
ويزيد هذا من صعوبة الجهود المبذولة لمراقبة ومنع المخاطر البيئية، ويعوق جهود مكافحة التغير المناخي والتقليل من التلوث البحري.
وبناءً على ذلك أصبح من الضروري إيجاد الحلول الفاعلة، لمواجهة هذه الظواهر، ومنها تعزيز التعاون الدولي، تحت مظلة المنظمة البحرية الدولية. وتطوير تقنيات متقدمة لمراقبة السفن المشتبه في أنشطتها.
ما أهم قرارات المنظمة البحرية الدولية التي بدأ تنفيذها فعليًا في عام 2025، وتأثيرها في سوق الشحن البحرية؟
تواصل المنظمة البحرية الدولية جهودها لحماية البيئة البحرية، والحد من التأثيرات المناخية للنقل البحري. من خلال تبني مبادرات رائدة، تهدف إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتعزيز الاستدامة البيئية.
ومن أبرز الأولويات، حاليا، تنفيذ مؤشر كفاءة الطاقة للسفن القائمة (EEXI)، ومؤشر كثافة الكربون (CII)، لتحسين كفاءة السفن. وتقليل انبعاثاتها الكربونية.
كما تشجع المنظمة على استخدام أنواع الوقود البديلة، مثل: الغاز الطبيعي المُسال، والأمونيا، والهيدروجين.
الحد من التلوث البحري
وتشمل الجهود أيضًا الاتفاقيات المتعلقة بالحد من التلوث البحري، مثل: اتفاقية إدارة مياه الصابورة (BWM)، واتفاقية أنظمة الوقاية من الترسبات البحرية (AFS). إلى جانب ملاحق “اتفاقية ماربول”، بشأن التصرف في النفايات الناتجة عن السفن.