أكدت القائدة البحرية البنجلاديشية، ثريا ياسمين، في حوار مهم وكاشف مع “عالم الموانئ”، أن المملكة السعودية حققت إنجازات كبيرة في مجال إدارة الموانئ.
ثريا ياسمين، ضابط محطة رائد في هيئة ميناء شيتاجونج في بنجلاديش، تصنع أمواجًا في صناعة البحرية بفضل خبرتها الاستثنائية وتفانيها.
مع أكثر من ست سنوات من الخبرة العملية في عمليات السفن وإدارة الحاويات، وماجستير في الشؤون البحرية تخصص إدارة الموانئ من جامعة البحر العالمية المرموقة بالسويد، تقف ياسمين في طليعة تحويل مجال تقليدي يسيطر عليه الرجال.
في حوارها مع “عالم الموانئ”، تعكس ياسمين شغفها بتجاوز التحديات، وكسر الصور النمطية، وتناقش الدور الديناميكي للمرأة في القطاع البحري، مسلطة الضوء على الاتجاهات العالمية والسيناريوهات المتفائلة للمرأة في مناصب إدارة الموانئ، كما ورد في تقرير الأونكتاد.
تقدم ياسمين أيضًا تعليقات ثاقبة حول الإنجازات المثيرة للإعجاب للسعودية في إدارة الموانئ، بما في ذلك تقدمها إلى المركز السادس عشر في تصنيف التعامل مع الحاويات الدولي وفق قائمة لويد، وتؤكد على أهداف رؤية 2030، ولا سيما التزامها بمعالجة أكثر من 40 مليون حاوية قياسية سنويًا، وكيف يتماشى ذلك مع الاتجاهات العالمية في النمو الاقتصادي المستدام والتكامل التجاري.
وإلى نص الحوار الذي أجراه الأستاذ مجدي صادق:
– لماذا اخترتِ، كامرأة، دخول المجال البحري رغم أنه ميدان يغلب عليه الذكور؟
منذ طفولتي أحب التحديات، وفكرة العمل في مجال يدفع بحدودي كان دائمًا محفزًا لي. في البداية، لم يكن القطاع البحري خياري الأول. كنت أطمح إلى شق طريقي في مجالات كانت مشاركة النساء فيها محدودة.
بعد المدرسة الثانوية، سلكت طريق حلمي بانضمامي إلى القوات المسلحة، ولكن الظروف قادتني إلى استكشاف فرص أخرى.
في ذلك الوقت، كان التمييز بين الجنسين شائعًا في العديد من المجالات، وكانت المهن مثل البحارة والطيارين محظورة بشكل خاص على النساء.
فترة ما بعد التخرج
بعد التخرج، قدمت طلبات لوظائف حكومية حافلة بالتحدي الذي كنت أبحث عنه. كنت محظوظة بالعثور على فرصة في القطاع البحري مع صاحب العمل الحالي.
شعرت أن ذلك كان نداءً، فكنت ممتنة للعثور على مهنة تتماشى مع شغفي بالتحديات، وتتيح لي كسر الصور النمطية.
إن مجتمعنا يتطور، وأنا فخورة بأن أكون جزءًا من جيل يتبنى التنوع، ويعمل على القضاء على التمييز الجنسي؛ فانضمامي إلى المجال البحري أتاح لي الفرصة لتقديم مساهمة ملموسة في صناعة تقليدية يهيمن عليها الرجال.
عقبات في الطريق
– هل واجهتِ عقبات عند اتخاذ قراركِ وتحقيق حلمكِ؟
نعم؛ فعندما قررت متابعة الماجستير في الشؤون البحرية بجامعة البحر العالمية في السويد، وترك دوري مؤقتًا في ميناء شيتاجونج، واجهت عدة عقبات؛ فبجانب التعديلات الأكاديمية والمهنية؛ فكوني امرأة أضاف طبقة أخرى من التعقيد.
ورغم أن بلدنا يحقق تقدمًا في المساواة بين الجنسين، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى التنقل عبر موافقات متعددة لاتخاذ القرارات، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني.
كامرأة، وجدت نفسي في كثير من الأحيان بحاجة إلى إثبات قدراتي قبل اتخاذ القرارات؛ ما يعزز أهمية المثابرة والكفاءة.
دخول النساء المجال البحري
– كيف تقيمين تجربة دخول النساء هذا المجال؟ وهل تعتقدين أنهن قد نجحن في إثبات أنفسهن والوقوف جنبًا إلى جنب مع الرجال؟
أعتقد أن تجربة دخول النساء إلى المجال البحري ديناميكية وتحمل وعدًا كبيرًا لنمو الصناعة ومرونتها؛ حيث تشير الإحصاءات العالمية إلى أن النساء يشكلن 2 % فقط من البحارة.
كذلك تسلط مراجعة الأونكتاد للنقل البحري لعام 2019 الضوء على سيناريو أكثر تفاؤلًا في مناصب إدارة الموانئ، مع متوسط عالمي يبلغ 34 % من التمثيل النسائي.
ومع ذلك، يكشف الفحص الدقيق عن تفاوتات، لا سيما في أدوار العمليات ومناولة البضائع؛ إذ تنخفض النسب إلى 12.1 % و 5.1 % على التوالي.
النساء في المجال البحري
بالرغم من هذه الأرقام، لكني متفائلة بنجاح النساء في المجال البحري، الذي يمكن أن يستفيد بشكل كبير من التنوع الجنسي، ليس فقط كمسألة مساواة ولكن كميزة إستراتيجية؛ إذ تظهر الأبحاث أن الفرق المتنوعة تؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل، وتقليل الاحتيال، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات.
النساء، بمنظورهن الفريد، يساهمن في الابتكار ويمكنهن كسر الحواجز الموجودة في قطاع يتطلب خبرة متخصصة.
نجاح النساء في المجال البحري ليس فقط إثباتًا لأنفسهن بجانب الرجال، بل هو إثراء للصناعة بمجمع مواهب أوسع ومهارات متنوعة. بينما نعمل نحو بيئة أكثر شمولًا، ستكون مساهمات النساء محورية في النمو المستمر للصناعة وتنافسيتها.
باختصار، نجاح النساء في المجال البحري ليس مجرد شهادة على الإنجازات الفردية ولكنه خطوة حاسمة نحو بناء صناعة أقوى وأكثر تنوعًا وازدهارًا.
– كامرأة بنجلاديشية، كيف ترين تجربة العاملات في بلدك؟
أرى أن تجربة العاملات في بلدنا تتطور بشكل إيجابي، خاصة مع التزام الحكومة الحالية القوي بتمكين المرأة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين.
لقد اتخذت الحكومة مبادرات عدة لتحسين بيئة العمل للنساء؛ ما يعزز الشمولية وتكافؤ الفرص. ولا شك أن هذا الالتزام قد حسّن المشهد المهني للنساء في بنجلاديش مقارنة بالأوقات السابقة؛ ما يشير إلى تحول إيجابي نحو شمولية أكبر.
كفاءة تشغيل الميناء
– أخبرينا عن وظيفتك في بندر بهبان بميناء شيتاجونج وأهميته في بنجلاديش.
خدمت في مختلف المناصب؛ ما ساهم في كفاءة تشغيل الميناء، الذي يشكل شريانًا اقتصاديًا حيويًا لبنجلاديش. وكضابط محطة، أدرت مهامًا متنوعة، بما في ذلك إعداد الميزانية، وفواتير الحاويات، وضمان الالتزام بالبروتوكولات المالية.
وسواء كنت مشرفة على عمليات السفن والفناء أو أراقب أنشطة محطة الشحن (CFS)، كنت دائمًا أضع السلامة والكفاءة والامتثال للمعايير الدولية في المقام الأول.
زودني ماجستير الشؤون البحرية برؤى متقدمة حول أفضل الممارسات في الصناعة.
وظيفتها الحالية
وحاليًا كضابط محطة (الإدارة)، ألعب دورًا محوريًا في تطوير الموظفين، وضمان التشغيل السلس للإدارة، وتنفيذ أهداف هيئة ميناء شيتاجونج.
وبشكل عام، ساهمت تجاربي في النمو المستدام والترتيب الإيجابي لميناء شيتاجونج؛ ما يعكس أهميته كلاعب رئيس في التجارة البحرية العالمية.
مستقبل التعليم البحري
– في ضوء الأتمتة والرقمنة والذكاء الاصطناعي، كيف ترين مستقبل التعليم البحري؟
في عصر الأتمتة والرقمنة والذكاء الاصطناعي، يقف مستقبل التعليم البحري عند مفترق طرق حاسم. إذ تشهد الأدوار التقليدية للبحارة تحولًا عميقًا مع اتجاه الصناعة البحرية نحو عمليات السفن الذاتية.
وقد حددت المنظمة البحرية الدولية (IMO) درجات من الاستقلالية، من السفن ذات العمليات الآلية إلى السفن الذاتية بالكامل. ما يشير إلى تحول يتحدى المعايير التقليدية للملاحة، مع انتقال الصناعة نحو السفن ذاتية القيادة أو ذات الحد الأدنى من الطاقم. ما يستلزم إعادة تقييم المهارات المطلوبة للعمليات البحرية المستقبلية.
يجب أن يتكيف التعليم والتدريب البحري (MET) بسرعة لتجهيز البحارة بالخبرة المطلوبة للسفن ذاتية التشغيل والمتكاملة رقميًا. ويكتسب التركيز على المهارات غير التقنية، مثل العمل الجماعي والقيادة والاتصالات، أهمية بجانب الكفاءات التقنية.
القوى العاملة البحرية
وتواجه القوى العاملة البحرية مشهدًا ديناميكيًا؛ حيث تظهر تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) كأدوات تحويلية للتدريب. ما يوفر تجارب تعليمية غامرة وتجريبية.
ومع ذلك، تستمر التحديات، بما في ذلك فجوة المهارات المحتملة. وعدم التكافؤ في الوصول إلى التقنيات المتقدمة بين البلدان النامية والمتقدمة.
على الرغم من هذه التحديات، أرى أن التعليم البحري يتجه نحو مستقبل واعد. فدمج التكنولوجيا المتقدمة في مناهج التعليم والتدريب البحري، سيعزز من قدرة البحارة على التكيف مع الابتكارات السريعة. ما يمكّنهم من إدارة السفن والأنظمة المعقدة بكفاءة وأمان.
ومن الضروري أن تظل المؤسسات التعليمية البحرية متجددة ومواكبة للتغيرات التقنية. مع التركيز على تطوير مناهج تعليمية شاملة تجمع بين المعرفة التقنية والمهارات القيادية.
إنجازات السعودية في إدارة الموانئ
– كيف تقيمين الإنجازات الأخيرة للسعودية في مجال إدارة الموانئ؟
حققت السعودية إنجازات كبيرة في مجال إدارة الموانئ، تعكس التزامها بتحقيق رؤية 2030. إذ تقدمت المملكة إلى المركز السادس عشر عالميًا في تصنيف التعامل مع الحاويات بقائمة لويدز. ما يمثل قفزة نوعية تعكس كفاءة الموانئ السعودية.
تأتي هذه الإنجازات بفضل الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة. وتحسين العمليات والإجراءات لتسهيل التجارة الدولية.
إنجازات المملكة في قطاع الموانئ
أحد أبرز الإنجازات هو هدف المملكة لمعالجة أكثر من 40 مليون حاوية قياسية سنويًا. بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية في النمو الاقتصادي المستدام والتكامل التجاري، وتحسين البنية التحتية للموانئ.
ومن هذه الموانئ: ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبد الله؛ ما يساهم في تعزيز قدرة المملكة على التعامل مع أحجام متزايدة من التجارة الدولية. وبالتالي يجعلها مركزًا لوجستيًا رئيسيًا في المنطقة.
كذلك، يعزز التركيز على الاستدامة والابتكار في إدارة الموانئ من مكانة المملكة كمثال يحتذى به في المنطقة. حيث استخدام التقنيات الحديثة كالأتمتة والذكاء الاصطناعي في العمليات اليومي؛ ما يعزز من الكفاءة، ويقلل من التأثير البيئي. ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
– ماذا عن الخطط المستقبلية لتعزيز دور المرأة في القطاع البحري؟
لتعزيز دور المرأة في القطاع البحري، يجب التركيز على عدة محاور رئيسة تشمل: التعليم والتدريب، التمكين القيادي، والسياسات الداعمة.
أولًا: يجب توفير فرص تعليمية وتدريبية متقدمة للنساء في المجالات البحرية، وتطوير المهارات التقنية والقيادية. ودعم النساء من خلال منح دراسية وبرامج تدريبية تساعد في إعداد جيل جديد من القائدات.
ثانيًا: يتطلب التمكين القيادي توفير بيئة عمل داعمة تشجع النساء على تولي مناصب قيادية في القطاع البحري. وذلك من خلال سياسات وتشريعات تضمن المساواة في الفرص وتحمي حقوق المرأة في مكان العمل. علاوة على دعم النساء من خلال شبكات مهنية وبرامج إرشادية تعزز دورهن القيادي.
وتلعب السياسات الداعمة دورًا حاسمًا في تعزيز دور المرأة في القطاع البحري. لذا يجب على الحكومات والمؤسسات البحرية العمل معًا لتطوير سياسات تشجع مشاركة المرأة وتضمن تساوي الفرص.