شهد ميناء روتردام، أحد أكثر موانئ الحاويات ازدحامًا في أوروبا والعالم، توقفًا كاملًا وغير مسبوق لعمليات الحاويات بعد ظهر يوم الأربعاء. بسبب إضراب مفاجئ بدأه عمال الربط. دخل الإضراب. الذي يستمر لمدة 48 ساعة، حيز التنفيذ في تمام الساعة 3:15 مساءً بالتوقيت المحلي من يوم 8 أكتوبر.
ومن المقرر أن يستمر حتى ظهر يوم الجمعة. وأدى هذا التوقف المفاجئ إلى شلل تام في عمليات تحميل وتفريغ السفن. ما يهدد بحدوث اضطرابات واسعة النطاق في سلاسل الإمداد العالمية.
أزمة الأجور توقف ميناء روتردام
ويتمحور الإضراب، الذي قادته نقابة عمال FNV. حول مطالب عمالية أساسية تتمثل في رفع الأجور وتحسين ظروف العمل. ويسلط هذا التطور الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه العمال في قلب الاقتصاد العالمي. وخاصة عمال الربط الذين لا يمكن للميناء أن يعمل بدونهم. نقلا عن موقع “gcaptain“.
الدور الحاسم لـ “عمال الربط” وعمق الأزمة
وتعتبر وظيفة عمال الربط (Lashing Workers) أساسية في عمليات الموانئ. فهم المسؤولون عن تأمين الحاويات على متن السفن العملاقة وربطها ببعضها البعض لضمان سلامة الشحنة وطاقم السفينة أثناء الإبحار. وبدون هذه الخدمة، لا يمكن للسفن أن تغادر أو ترسو بأمان. ما يعني توقفًا فوريًا لجميع العمليات.
وأكدت نقابة عمال “FNV” أن جميع موظفي الشركتين الرئيسيتين المسؤولتين عن عمليات الربط في روتردام. وهما International Lashing Services وMatrans Marine Services. يشاركون بشكل كامل في الإضراب. هذا الإجماع في المشاركة هو ما أدى إلى الشلل التام الذي يشهده الميناء.
وفي تصريح له، شدد نيك ستام، المتحدث باسم نقابة FNV، على الأهمية القصوى لعمال الربط. قائلًا: “بدون عمال الربط، سيتوقف الميناء بأكمله”.
هذا التصريح ليس مجرد تعبير عن موقف تفاوضي؛ بل هو وصف دقيق للواقع التشغيلي. إذ لا يمكن لأي محطة حاويات في العالم أن تعمل دون تأمين الحاويات بشكل صحيح.
وعلى الرغم من أن البنية التحتية للمحطات، مثل القاطرات والمرشدين البحريين. لا تزال قيد التشغيل. إلا أن تعليق خدمات الربط أثر بشكل كبير على عمليات السفن.
هذا التأثير ينبع من أن عمليات الربط والتفريغ هي خطوة أولى وأخيرة ضرورية في عملية مناولة الحاويات. ما يجعل من المستحيل عملياً إتمام أي عملية تحميل أو تفريغ.
تأثير الإضراب على المحطات الرئيسة وردود فعل القطاع
أكدت شركة “ميرسك”، وهي واحدة من أكبر شركات الشحن العالمية. أن الإضراب يؤثر على جميع المحطات الرئيسة في ميناء روتردام.
وتشمل قائمة المحطات المتأثرة كلًا من: APM Terminals Maasvlakte II، وHutchinson Ports Delta II، وECT Delta، وRotterdam World Gateway.
هذه المحطات تمثل العمود الفقري لعمليات الحاويات في الميناء. وتوقفها يعني توقف ما يقارب 100% من الحركة التجارية للميناء.
ووفقًا لتقرير استشاري للعملاء صادر عن “ميرسك”؛ فإن النزاع العمالي يتمحور حول “ظروف العمل وتعويضات موظفي الربط في المحطات في روتردام”. وتشير هذه الصياغة إلى أن الخلاف يتجاوز مجرد الزيادة في الأجور ليطال قضايا أعمق تتعلق ببيئة العمل.
في حين أقرت هيئة ميناء روتردام بأن الإضراب سيؤثر حتمًا على حركة المرور البحرية وعمليات الشحن. إلا أنها أشارت إلى أنه من السابق لأوانه تقديم تقديرات شاملة للاضطرابات وحجم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن هذا التوقف. ومع ذلك، من المتوقع أن تتراكم التأخيرات بسرعة كبيرة. حيث إن قدرة الميناء على استقبال السفن الجديدة محدودة للغاية مع بقاء السفن الحالية غير قادرة على المغادرة. يمكن أن تتجاوز تكلفة التأخيرات الملايين من الدولارات يوميًا نظرًا للحجم الهائل للتجارة المارة عبر روتردام. والتي تقدر بمليارات اليوروهات سنويًا.
نزاع بلجيكا الإضافي.. اضطراب متزامن في أنتويرب-بروج
تتفاقم الأزمة اللوجستية في شمال أوروبا بسبب نزاع عمالي متزامن في بلجيكا. في غضون ذلك، أدى إضراب منفصل لمرشدي الموانئ الفلمنكيين في ميناء أنتويرب-بروج إلى تعطيل كبير لحركة الملاحة البحرية هناك.
هذا الاحتجاج البلجيكي، الذي يستمر منذ أربعة أيام، يأتي اعتراضًا على إصلاحات نظام التقاعد الفيدرالي. وقد أفادت وكالة “رويترز” للأنباء بأن هذا الإضراب أدى بالفعل إلى خفض كبير في معالجة السفن. فبدلًا من معالجة ما بين 60 إلى 80 سفينة يوميًا كالمعتاد. انخفض عدد السفن التي تمت معالجتها في ميناء أنتويرب إلى 31 سفينة فقط يوم الثلاثاء.
هذا التزامن بين الاضطرابات في أكبر ميناءين في المنطقة يشكل تحديًا مضاعفًا لشركات الشحن. ففي الوقت الذي تتعرض فيه السفن للتأخير أو التحويل من روتردام. تجد نفسها تواجه مشاكل مماثلة في أنتويرب-بروج.
وقد أدى هذا الوضع إلى تأخير بعض السفن أو جنوحها أو تحويلها إلى موانئ بديلة في مناطق أخرى. ما يزيد من التكاليف والتعقيد اللوجستي. هذا التأثير المزدوج يهدد بتعطيل ما يقدر بنحو 40% من إجمالي حركة الحاويات في شمال غرب أوروبا.
الآثار الاقتصادية واللوجستية بعيدة المدى
إن توقف العمليات في ميناء بحجم روتردام، حتى لمدة 48 ساعة فقط. له تداعيات اقتصادية ولوجستية واسعة النطاق تتجاوز حدود هولندا. فميناء روتردام هو بوابة حيوية ليس فقط للسوق الهولندي؛ بل لألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلدان أوروبا الوسطى. أي تأخير هنا ينتقل كأثر الدومينو إلى المصانع والمتاجر والمستهلكين في جميع أنحاء القارة.
من المتوقع أن تشمل التداعيات ما يلي:
- زيادة تكاليف الشحن: ستؤدي التأخيرات واضطرار السفن إلى تغيير مسارها إلى زيادة في أسعار الشحن. والتي غالبًا ما يتحملها المستهلك النهائي.
- تأخير تسليم البضائع: ستتأخر وصول السلع الاستهلاكية والمواد الخام اللازمة للصناعات الأوروبية. ما قد يؤدي إلى تباطؤ في الإنتاج.
- ازدحام الموانئ البديلة: ستواجه الموانئ المجاورة التي يتم تحويل السفن إليها. مثل هامبورغ أو موانئ جنوب أوروبا، ضغطًا هائلاً، ما قد يؤدي إلى ازدحام وتأخيرات إضافية.
- تفاقم أزمة سلاسل الإمداد: تأتي هذه الإضرابات في وقت لا يزال فيه الاقتصاد العالمي يتعافى من اضطرابات سابقة في سلاسل الإمداد. ما يهدد بتفاقم هذه الأزمة قبل حلول مواسم التسوق الرئيسية.
إن التقديرات تشير إلى أن كل يوم إضراب في ميناء روتردام قد يؤدي إلى تأخير ما لا يقل عن 20 إلى 30 سفينة حاويات عملاقة. ما يمثل مئات الآلاف من وحدات TEU المتوقفة عن الحركة. هذا العدد الكبير من الحاويات المتأخرة يحتاج إلى أسابيع للتعافي والعودة إلى جدول الشحن الطبيعي حتى بعد انتهاء الإضراب.