لم يكن أرسينيو أنطونبو دومنيجيز “ابن قناة بنما” الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية، مبالغًا حين قال على هامش افتتاح مكتب التمثيل الإقليمي للمنظمة بهيئة السلامة بالبحرية بالإسكندرية. وكذلك لقاؤه بالفريق أسامة ربيع؛ رئيس هيئة قناة السويس، عندما أكد أن قناة السويس ممر عالمي “لا” غنى عنه لخدمة حركة التجارة العالمية.
قصة طريفة حول إنشاء قناة السويس
تذكرت هذا حينما قرأت يومًا قصة طريفة حول إنشاء قناة السويس لم يعرفها الكثيرون عندما طرحها الكاتب الفرنسي “روبيير سولييه” في كتابه “مصر ولع فرنسي، والتي بدأت بحلم الذى تحقق بسبب “طبق المكرونة”.
إذ كان القدر قد لعب دوره حين علم “فرديناند ديليسبس” أن الطفل السمين الذى كان يعلمه كيف يمتطي جواده هو الذي جلس على عرش مصر. ولم ينتظر لحظة حتى كتب “ديليسبس” خطابًا لسعيد باشا الوالي الجديد وتلميذه الصغير. حيث قال:”سوف أذكره بالمكرونة التي اعتدت أن أطعمه أياها لتحقيق حلمي”.
وجاء الرد الذي أسعد “ديليسبس” وجعله يطير فرحًا بعد أن أغلقت الدنيا أبوابها في وجهه. وكانت فرحته زائدة بسبب مشاركة الحلم مع زوجته الراحلة أجاثي.
واقتنع الوالي لثقته في “ديليسبس” الذي قام بتربيته وطلب منه الوالي وضع صيغة الفرمان ليمنحه الامتياز المطلوب لبناء القناة المقترحة ويجمع الأموال اللازمة للمشروع.
وكان لا بد أن يحصل على موافقات الباب العالي ثم ممثل التاج البريطاني وعلى ظهر جمل امتطاه “ديليسبس” ليقطع مسافة أكثر من 25 ألف ميل للذهاب إلى القسطنطينية، حتى حصل على الموافقة.
إلا أن “رشيد” باشا الصدر الأعظم الذى اعتبر مشروعه “وهمًا كبيرًا”، في حين الكثير من الأزمات كانت دائمًا في مرمى نيران الكثير من الاعداء علق موافقته على موافقة ممثل التاج البريطاني في وزارة الخارجية “رد كلييف” الذي رفض المشروع برمته وعلى “جثته”.
لكن “ديليسبس” كان يردد دائمًا أمام كل عقبة يقابلها “مابدأه أنهيه… لن أستسلم أبدًا”.
وذهب “ديليسبس” إلى ابنة عمه الإمبراطورة “أوجيني” التي أيدت فكرته وتحمست لمشروعه مع زوجها الإمبراطور “لويس نابليون” ليحصل على موافقة رسمية من ملكة إنجلترا نفسها، وهي الملكة “فيكتوريا” بعد أن أمضى عامًا كاملًا في إقناع بريطانيا.
وجاء فرمان عقد امتياز قناة السويس الأول مكونًا من 12 بندًا، كان أهمها حفر قناة تصل بين البحرين ومدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ فتح القناة. وقد تكلفت القناة بما يعادل 369 مليون فرنك. وبلغ طولها 165 كم وعرضها 190 مترًا وعمقها 58 قدمًا.
لم يشأ القدر أن يعيش “سعيد” باشا ليرى مشروعه الذي بدأه. وكان يريد أن يخلد به اسمه. ففي يناير 1863م، توفي “سعيد” باشا على إثر مرضه بالحمى.
وقد عاشت القناة طوال تاريخها الكثير والكثير من الأزمات. وكانت دائمًا في مرمى نيران الكثير من الأعداء حتى ديسمبر 2023، حينما أعلنت جماعة الحوثي منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات. بما فيها السفن الأمريكية والبريطانية، بعد أن كانت قاصرة على السفن الإسرائلية فقط في 19 أكتوبر 2023.
وقد كبدت تلك الهجمات مصر خسائر زادت على 7 مليارات دولار، وكان يمكن للقناة أن تحقق مثلما قال الرئيس المصري، ما يقرب من 13 مليار دولار، إذا لم يحدث ما حدث، في حين أن صندوق النقد الدولي. أكد في آخر تقرير له أن توترات البحر الأحمر أفقدت مصر 70% من إيرادات قناة السويس. التي تعد مصدرًا رئيسًا للعملة الأجنبية للبلاد. بعد أن حولت أكثر من 5500 سفينة مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
على الرغم من مشاريع التطوير على أرض القناة. منها مشروع القطاع الجنوبي بالكامل. بالإضافة إلى توسعة مساحة المجرى الملاحي من الكيلو 132 إلى الكيلو 162 لإتاحة مرور السفن العملاقة. والانتهاء من مشروع “الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة”، من الكيلو 122 إلى الكيلو 132. ما يسهم في زيادة حجم الشحن. وتسريع حركة مرور السفن بالاتجاهين.
بالطبع جاء الإعلان عن قناة “بن جوريون” ومحاولات إسرائيلية لإحياء الفكرة. كي تكون بدلًا ومنافسًا لقناة السويس، حين نشر بأنها أطول بقرابة الثلث من القناة ( 193.3 كم ). بما يقرب من الثلث أضغاث أحلام.
ولم يكن “البولر كود” الممر الشمالي الذي يمتد عبر القطب الشمالي. رابطًا بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المتجه شمالًا من الصعوبة والخطورة بمكان. مثل ممر الشحن شمال – جنوب متعدد الوسائط من ميناء “سان بطرسبرج” الروسي إلى ميناء “مومباي” في الهند والموانئ المطلة على خليج “مارا” بإيران.
ودخلت العراق على الخط وأعلنت إطلاق مشروع. قد يكون منافسًا لقناة السويس. يربط ميناء “الفاو” جنوب العراق بالنفط بتركيا ليحول البلاد إلى مركز عبور بين آسيا وأوروبا.
كل هذه مجرد مشاريع بين الواقع والخيال، لأن قناة السويس. بما يتفق عليه الخبراء ستبقى مهمة كشريان شحن لسنوات عدة.
لم يكن “دومنجيز” مبالغًا، وهو يردد ما قاله خاصة بعد حالة الذعر من تلوث مياه البحر الأحمر والانسكاب النفطي للسفينة “روبيمار” في أول مارس من العام الماضي. التي غرقت على أيدي “الحوثي”.
غير الانبعاثات الصادرة خلال الإبحار من آسيا إلى البحر المتوسط. لترتفع إلى 63% في الربع الأخير مقارنة بالربع المقابل من العام 2023. إذا تسبب خرق الوقود الإضافي، بإطلاق نحو 13,6 مليون طن إضافي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. خلال أربعة أشهر. وهو ما يعادل تلوث ناتج أو صادر عن حوالي 9 ملايين سيارة خلال المدة.
وهو مايؤدي إلى زيادة البصمة الكربونية للشركات. ما يصعب تحقيق ما سمي بالحياد الكربوني أحد أهم أهداف المنظمة البحرية الدولية اليوم.
أيضًا، لا ننسى أن الموانئ الإفريقية التي تمر عبرها أكثر من 85% من السفن حول رأس الرجاء الصالح. في موانئ “تواماسينا”، بمدغشقر و “بورت لويس” في موريشيوس و”والفيس باي” في نامبيا. غير مجهزة وليس لديها قدرات لوجيستية لتوسيع عملياتها وتحتاج إلى استثمارات كبيرة.
<p>علاوة على الخوف من عمليات القرصنة لا سيما قرب الصومال ونيجيريا، فحتى الإبحار حول رأس الرجاء الصالح رغم كل هذا يصبح غير آمن بالمرة.
فعودة الاستقرار إلى سلاسل الإمداد العالمية وحركة التجارة العالمية لا يتحقق إلا بعودة حركة الملاحة عبر قناة السويس كممر آمن.
صمام أمان
لقد أصبحت قناة السويس باعتراف العالم “صمام أمان” لحركة الملاحة البحرية عبرها. في ظل تحديث الهيئة لقاطراتها وإدارة الأزمات بها التي تشهد طفرة كبيرة في خبرات رجالها مع التطور الدائم. الذي وجه به الرئيس عبد الفتاح السيسي. لتطوير مجرى القناة لاستقبال السفن العملاقة. وفي ظل القواعد الجديدة للمنظمة البحرية الدولية “إي إم أو” الخاصة بالانبعاثات الكربونية.
<p>ومنذ 17 أغسطس 2019، حينما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قراره بتتعيين أسامة ربيع رئيسًا لهيئة قناة السويس، خلفًا للفريق مهاب مميش. كان بمثابة “كاسحًا” لكل الأزمات التي عاشتها قناة السويس. وفي مواجهة “حقول الألغام” التي تسببت فيها أزمة البحر الأحمر كجبل شامخ لا يعرف للمستحيل معنى إلا في قاموس الفاشلين.