20 عامًا على تطبيق المدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية

يعد المجال البحري من الركائز الأساسية للتجارة العالمية، وهو يؤمن نقل بضائع مختلفة من استهلاكية وصناعية. ومنذ عقود وهو يواجه مخاطر أمنية متزايدة تهدد سلامة السفن التجارية والمرافق المينائية.

تعود هذه التهديدات إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في بعض مناطق العالم؛ ما يفرض ضرورة تعزيز الأمن البحري.

حرصت المنظمة البحرية الدولية منذ تأسيسها سنة 1948، على تنظيم وتأمين النقل البحري، بإصدار أكثر من 50 اتفاقية مع التعديلات المستمرة. بالإضافة إلى التعاميم، والأدلة، والتوجيهات. مع الحرص على فاعلية تطبيقها من الدول الأعضاء لهدف أساس هو حماية الأرواح في البحار. وكذلك حماية السفن والبضائع والتجهيزات المينائية.

كما تتعاون المنظمة البحرية الدولية مع منظمات دولية لتطوير إستراتيجيات وإجراءات الأمن والسلامة البحرية، مثل:

  • منظمة العمل الدولية (ILO): لضمان سلامة العمال البحريين وتطوير معايير السلامة والأمن في الموانئ.
  • منظمة الجمارك العالمية (WCO): لتعزيز إجراءات الأمن ومكافحة التهريب والجرائم البحرية.
  • الإنتربول: لمكافحة القرصنة والإرهاب البحري وتعزيز تبادل المعلومات بين الدول.
  • المنظمة الدولية للمعايير (ISO): من خلال اللجنة الفنية ISO/TC 8 لضمان توافق معايير ISO مع صكوك الـIMO؛ ما يدعم تنفيذ اتفاقيات مثل SOLAS وMARPOL ويعزز حماية البيئة البحرية.

ومع تكرار الأحداث المأساوية الناتجة عن الهجمات وأعمال القرصنة التي استهدفت السفن التجارية، مثل: حادثة السفينة Achille Lauro عام 1985، واختطاف السفينة Sea Star في 1984، أصبحت المرافق المينائية تواجه على نحو متزايد تهديدات متعددة. بما في ذلك: الإرهاب، القرصنة، والهجمات الإلكترونية.

من أبرز الأمثلة على ذلك، الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” (USS Cole) في أثناء رسوها بميناء عدن باليمن، واستهداف القراصنة الصوماليين لميناء مومباسا (Mombasa Port) عام 2011؛ ما أدى إلى تعطيل حركة التجارة الإقليمية.

هذه الحوادث تؤكد أن التهديدات الأمنية لا تقتصر فقط على السفن، بل تمتد أيضًا لتشمل الجانب البري من النقل البحري، بما في ذلك الموانئ والمحطات.

وإثر الاعتداءات الدامية لمركز التجارة العالمي World trade center في 11 سبتمبر2001، شهد العالم تحولًا كبيرًا في كيفية التعامل مع الأمن العالمي. فقد أظهرت الهجمات ضعف الأنظمة الأمنية، وخاصة بالقطاع البحري الذي أصبح هدفًا للجرائم والأعمال غير المشروعة.

وردًا على ذلك، اعتمدت الدول المدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية (ISPS Code) في ديسمبر 2002. تحت رعاية المنظمة البحرية الدولية، بهدف تعزيز التعاون بين الحكومات والجهات المعنية. لتحديد التهديدات الأمنية. وتنفيذ تدابير وقائية لحماية السفن والمرافق المينائية المشاركة في التجارة الدولية.

وقد مرت عشرون سنة منذ دخول المدونة حيز التنفيذ في يوليو 2004. وتنفيذ الدول الأعضاء لمتطلباتها؛ حيث تم تحقيق العديد من النتائج الإيجابية، لكن أيضًا تم مواجهة العديد من التحديات والصعوبات التي تعيق فاعلية التنفيذ.

ومن أبرز هذه التحديات: تضارب الأهداف بين تعزيز الأمن وضمان الكفاءة في العمليات المينائية واللوجستية؛ ما يؤدي غالبًا إلى تأخير بعض العمليات اليومية في الموانئ.

إضافة إلى ذلك، هناك التكاليف العالية للتجهيزات المخصصة لتأمين الموانئ والسفن في ظل التطورات التقنية المستمرة. وكذلك الافتقار إلى الأطر القانونية والسياسية اللازمة لتحقيق الامتثال لحماية الأمن البحري؛ ما يؤدي إلى تداخل الأدوار بين الجهات الفاعلة.

أما عملية تقدير احتمالية وعواقب التهديدات المحتملة في الموانئ، فهي تُعد من بين التحديات الكبرى التي تواجه تطبيق المدونة. وعلى الرغم من أن هذا التقدير يكون أسهل في بعض القطاعات الأخرى، فإن تعقيد الأنظمة الرقمية واللوجستية والمادية في الموانئ وتشابكها. يجعل من الصعب قياس تأثير أي تهديد في العمليات المينائية. كما أن التطور السريع للتهديدات، وخاصة الهجمات الإلكترونية، يزيد من صعوبة التنبؤ بها.

إن المدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية كغيرها من الاتفاقيات الدولية تتطلب استعدادًا من الحكومات المتعاقدة وعملًا متواصلًا؛ لضمان تطبيقها الفعلي. وهذا الاستعداد يتمثل في إعداد إستراتيجية أمنية شاملة. ويتطلب تحديد التهديدات المحتملة، وتطوير سياسات للتعامل معها.

مع توفير التدريبات اللازمة للكوادر الأمنية وتحديث التقنيات المستخدمة في المراقبة والتفتيش. بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية لضمان تطبيق التدابير الأمنية بفاعلية.

وترتكز هذه الإستراتيجية:

أولًا، على إطار تنظيمي يحدد أدوار ومسؤوليات الدولة، والسلطات المينائية، والمشغلون الخاصون ويضمن التنسيق الفعّال بين جميع الأطراف. مع إنشاء آليات لإجراء المراجعات المنتظمة والتدقيقات؛ للتأكد من الالتزام بمتطلبات مدونة ISPS وآليات زجر. تشمل: مراقبة مستمرة، وتفتيش دوري، وفرض عقوبات على المخالفات. وتكون هذه الآليات متوافقة مع النظام القضائي المحلي لضمان تنفيذها.

وثانيًا، على بناء القدرات وهو أحد المفاتيح الرئيسة لنجاح تنفيذ المدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية. فهو يمكّن الحكومات المتعاقدة من تجنب الاستثمارات المكلفة في المعدات الأمنية وتعزيز كفاءة استخدام مواردها المتاحة.

ويساعد هذا النهج أيضًا على بناء القدرة لمواجهة التهديدات. من خلال تدريب الموظفين على اكتشاف المخاطر المحتملة وتطوير مهاراتهم الشخصية كالقيادة والعمل الجماعي. لتمكينهم من الاستجابة الفعّالة خلال حالات الطوارئ.

وثالثًا، على التعاون الفعّال بين مختلف الجهات المعنية في القطاع البحري. بما في ذلك: السلطات المينائية، والمشغلين، والسلطات الأمنية، والشركات الخاصة.

إن تبادل المعلومات بسرعة وشفافية بشأن التهديدات والضعف الأمني أمر أساس؛ لضمان استجابة سريعة وملائمة للحوادث المحتملة؛ ما يسمح بتعديل إستراتيجية الأمن في الوقت الفعلي. وتحسين الاستعداد لمواجهة التهديدات المتطورة.

بقلم : نهاد شين؛ استشارية في الأمن البحري و المينائي