في خطوة استراتيجية من شأنها أن تعيد رسم الخريطة اللوجستية لغرب الدنمارك. شهد ميناء فريديريسيا مؤخرًا الافتتاح الرسمي لمحطة حاويات حديثة البناء. أقيم الحفل برعاية مشتركة بين شركة الموانئ الدنماركية المشتركة (ADP) وشركة فريديريسيا للشحن. وشكل علامة فارقة في مسيرة تطوير الميناء المستمرة منذ صيف 2023.
ميناء فريديريسيا يعزز مكانته اللوجستية
يعد هذا المشروع الطموح، جزءًا من خطة أوسع لتحديث وتوسيع مرافق الميناء. يهدف بشكل أساسي إلى تلبية الطلب المتزايد وغير المسبوق على خدمات التجارة العالمية واللوجستيات الفعالة. وتأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه أهمية سلاسل الإمداد العالمية. ما يجعل الكفاءة والقدرة الاستيعابية عاملاً حاسماً في التنافسية الاقتصادية. حسبما ورد على موقع شركة “bairdmaritime” الرائدة عالميًا في مجال الأخبار البحرية.
استيعاب الجيل الأضخم من سفن الحاويات
كما تعد القدرة التشغيلية للمحطة الجديدة ميزة تنافسية رئيسية. فبفضل عمق مياه يصل إلى 15 مترًا. يتمتع ميناء فريديريسيا الآن بالمرونة الكافية لمناولة حتى أكبر سفن الحاويات حجمًا على مستوى العالم. هذا العمق المائي، الذي يتجاوز مثيله في العديد من الموانئ الإقليمية. يضع فريديريسيا في مصاف الموانئ العالمية القادرة على خدمة الجيل الجديد من السفن العملاقة التي تحمل آلاف وحدات الحاويات المكافئة (TEU).
بالإضافة إلى العمق، تم تصميم مساحة الرصيف في المحطة الجديدة بعناية فائقة. ووفقاً لشركة ADP، تتيح هذه المساحة الكبيرة إمكانية تكديس الحاويات وتنظيمها بكفاءة عالية. ما يقلل من أوقات الانتظار ويزيد من سرعة دوران الحاويات داخل الميناء. ويتوقع أن يؤدي هذا التحسين في الكفاءة التشغيلية إلى خفض التكاليف اللوجستية للمستوردين والمصدرين على حد سواء.
تصريحات الرؤساء التنفيذيين
عكست التصريحات الصادرة عن قيادات الشركتين الشريكتين الأهمية الاستراتيجية لهذه المنشأة. صرح رون د. راسموسن، الرئيس التنفيذي لشركة ADP، بتفاؤل كبير حول مستقبل المحطة. مشيرًا إلى أن هذا التوسع يتجاوز مجرد زيادة المساحة.
قال راسموسن: “مع محطة الحاويات الجديدة. ضاعفنا سعتها بأكثر من الضعف، وأنشأنا محطة تلبي المتطلبات الحديثة للكفاءة والاستدامة”. يمثل هذا التضاعف في السعة الاستيعابية قفزة هائلة في قدرة الميناء على خدمة عملائه الحاليين واستقطاب أعمال جديدة.
وشدد راسموسن على أن المحطة هي “تعزيز استراتيجي يُهيئنا لتلبية احتياجات المستقبل والنمو المستقبلي في قطاع الحاويات في غرب الدنمارك”. كما يوضح هذا التركيز على المستقبل والنمو الرؤية بعيدة المدى التي تقف وراء المشروع، والتي لا تقتصر على معالجة المشاكل الحالية بل تهدف إلى بناء أساس متين لنمو مستدام في السنوات القادمة.
من جانبه، سلط كلاوس أندرسن، الرئيس التنفيذي لشركة فريديريسيا للشحن، الضوء على الفوائد التي ستعود على العملاء والقطاع اللوجستي الأوسع. وأشار أندرسن إلى أن القدرة على مناولة أحجام الحاويات المتزايدة هي جزء واحد من المعادلة.
أضاف أندرسن: “بالإضافة إلى القدرة على مناولة أحجام الحاويات المتزايدة، نتوقع أيضًا أن نتمكن من تقديم خدمة أفضل لشركات الشحن ووكلاء الشحن وشركات النقل في المستقبل. مدعومة بمحطة الحاويات الخاصة بنا في تاولوف”. هذا الترابط مع المحطة الداخلية في تاولوف يعزز من مفهوم الكفاءة الشاملة. حيث يتم تسهيل عملية النقل من الميناء إلى المراكز اللوجستية الداخلية. ما يقلل من الاختناقات ويضمن سلاسة الحركة. هذا التكامل بين المرافق البحرية والبرية يعد عنصراً حيوياً في نموذج اللوجستيات الحديث.
البعد الاقتصادي والتأثير على الاقتصاد الإقليمي
لا يقتصر تأثير محطة الحاويات الجديدة على الكفاءة التشغيلية للميناء فحسب. بل يمتد ليشمل الاقتصاد الإقليمي لغرب الدنمارك بأكمله. فالموانئ، بطبيعتها، هي بوابات التجارة التي تحرك النشاط الاقتصادي وتدعم الصناعات المحلية والإقليمية. من المتوقع أن يؤدي تضاعف السعة إلى جذب مزيد من خطوط الشحن الدولية. ما يزيد من حركة البضائع الصادرة والواردة.
إن تحسين البنية التحتية اللوجستية هو محرك مباشر للنمو الاقتصادي. حيث يسهل وصول الشركات المحلية إلى الأسواق العالمية ويخفض تكلفة المواد الخام المستوردة. هذا، بدوره، يعزز من قدرة الشركات الدنماركية على المنافسة دوليًا. تشير التقديرات الأولية إلى أن المشروع قد يساهم في خلق أكثر من 500 وظيفة جديدة بشكل مباشر وغير مباشر في المنطقة خلال السنوات الـ 5 القادمة. ما يدعم سوق العمل المحلي.
كما تساهم المحطة الجديدة في تعزيز موقع الدنمارك كمركز لوجستي محوري في شمال أوروبا. في ظل التوترات الجيوسياسية وتحديات سلاسل الإمداد العالمية. أصبحت موثوقية وكفاءة الموانئ من أهم العوامل التي تبحث عنها الشركات متعددة الجنسيات. وتعهدت كل من ADP وشركة فريديريسيا للشحن بأن تلعب هذه المحطة دورًا حاسمًا في توفير حلول لوجستية مستدامة وموثوقة لعملائها.
الاستدامة والكفاءة في التصميم الحديث
عندما تحدث رون د. راسموسن عن تلبية المحطة “المتطلبات الحديثة للكفاءة والاستدامة”،. فإنه يشير إلى أن التصميم لم يقتصر على زيادة المساحة والعمق فقط. بل شمل دمج أحدث التقنيات والممارسات الصديقة للبيئة. تسعى الموانئ الحديثة بشكل متزايد إلى تقليل بصمتها الكربونية. وقد تضمنت عملية التشييد في فريديريسيا تدابير لتقليل الانبعاثات وتحسين إدارة الطاقة.
على سبيل المثال، من المرجح أن تكون المحطة الجديدة مجهزة بأحدث الرافعات وأدوات المناولة التي تعمل بالكهرباء أو الوقود البديل. ما يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالمعدات التقليدية التي تعمل بالديزل. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين سرعة المناولة وكفاءة تكديس الحاويات يعني أن السفن ستقضي وقتاً أقل في الميناء. ما يقلل من استهلاك الوقود والانبعاثات أثناء الرسو. وفقًا لبعض التقارير الصناعية، تساهم هذه الإجراءات في خفض الانبعاثات بنسبة قد تصل إلى 30% في العمليات المينائية على المدى الطويل.
إن التركيز على الاستدامة أصبح أمرًا حتميًا في قطاع الموانئ. وهذا الاستثمار يعكس التزام الدنمارك، بشكل عام، بتحقيق أهداف الحياد الكربوني والمساهمة في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. وذلك بدمج الاعتبارات البيئية في كل مرحلة من مراحل التنمية الاقتصادية.
التكامل اللوجستي.. ميناء فريديريسيا وتاولوف
النظرة الاستراتيجية التي عبر عنها كلاوس أندرسن بخصوص الارتباط بين محطة فريديريسيا الساحلية ومحطة الحاويات الداخلية في تاولوف هي نقطة محورية. يشكل هذان المرفقان معاً ما يمكن اعتباره “ممر لوجستي” متكامل.
تعتبر محطة تاولوف، الواقعة على مقربة من شبكات الطرق والسكك الحديدية الرئيسية. بمثابة مركز توزيع حيوي للبضائع القادمة عبر ميناء فريديريسيا. هذا التكامل يعني أن الحاويات التي يتم إنزالها من السفن العملاقة في فريديريسيا يمكن نقلها بسرعة وكفاءة إلى تاولوف، حيث يتم فرزها وتوزيعها على الشاحنات والقطارات للوصول إلى وجهتها النهائية في الدنمارك والدول الإسكندنافية المجاورة.
هذا المزيج اللوجستي يقلل من الازدحام المروري في المناطق الحضرية المحيطة بالميناء ويعزز الاعتماد على السكك الحديدية لنقل البضائع، وهو نمط نقل أكثر استدامة وأقل كثافة في انبعاثات الكربون مقارنة بالنقل البري لمسافات طويلة. يُقدر الخبراء أن هذا الارتباط سيزيد من حصة الشحن بالسكك الحديدية من إجمالي حركة الحاويات في المنطقة بنسبة تتجاوز 10% خلال السنوات الـ 3 القادمة.
استثمار للمستقبل اللوجستي لغرب الدنمارك
يمثل الافتتاح الرسمي لمحطة الحاويات الجديدة في ميناء فريديريسيا، بالشراكة بين ADP وفريديريسيا للشحن، استثمارًا حقيقياً في المستقبل الاقتصادي واللوجستي لغرب الدنمارك. فمن خلال مضاعفة السعة الاستيعابية، وتوفير عمق مياه يصل إلى 15 مترًا لمناولة أكبر السفن، والتكامل مع المرافق اللوجستية الداخلية، أثبت الميناء التزامه بتلبية متطلبات التجارة العالمية المتنامية.
ومع التركيز الواضح على الكفاءة والاستدامة والتحضير للنمو المستقبلي، تتوقع الأوساط الاقتصادية أن يلعب هذا الميناء دورًا مركزيًا وحيويًا في تعزيز سلاسل الإمداد الأوروبية، ما يؤكد أن هذا المشروع ليس مجرد تحديث لمرفق، بل هو وضع حجر الأساس لمرحلة جديدة من التميز اللوجستي.