بالطبع يختلف عهد ترامب الثاني كثيرا عن فترته الأولى، حيث أظهر حكم “بايدن” أن الأعداء التاريخيين للولايات المتحدة، هما: بكين، وموسكو، اللذان استغلا ضعف الإدارة الأمريكية للتمدد والسيطرة، أما رأس المثلث الثالث فهو إيران.
فيما تدق وزارة الدفاع الأمريكية ناقوس الخطر من حين لآخر بشأن الوجود الصيني المتزايد في القطب الشمالي.
وأشارت إلى أن المشاركة المتزايدة لجمهورية الصين الشعبية في القطب الشمالي، ولّدت فرصًا جديدة للمشاركة بين الصين وروسيا.
في حين أحرزت الصين تقدمًا سريعًا في تصميم وبناء كاسحات الجليد.
فهل يصبح ترامب أسير شخصية “سيزف” في الأسطورة الإغريقية “أسطورة سيزيف”؛ حين حكمت عليه الآلهة بدفع الصخرة إلى قمة الجبل لتتدحرج منه ثانية إلى أسفل الوادي ويعاود الكَرّة إلى ما لا نهاية؟!
عصر ترامب الجديد
يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع بداية عصر جديد له، قناة بنما ولديه مطامع في الاستيلاء على جزيرة “جرينلاند” الدنماركية.
وتعد “جرينلاند” أكبر جزيرة في العالم بمساحة تبلغ 2,166,086 كم²، إضافة إلى “قناة نيكاراجوا”.
بدأت الأزمة بتقرير من صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية اليمينية التي أعلنت نية “ترامب” شراء جزيرة “جرينلاند” من الدنمارك.
وكانت هذه الجزيرة موطن “الفايكنج” – وهم عفاريت البحر كما أسميهم – لتعلن الحكومة الاسكندنافية رفضها القاطع لذلك.
وخرج بعد ذلك “ترامب” ليعلن مطامعه على الملأ ويلغي زيارة مقررة إلى الدنمارك بسبب هذا الرفض.
سر الرغبة في الشراء
لم يكشف دونالد ترامب عن سر رغبته في شراء “جرينلاند”. التي تقع على بعد حوالي 1207 كيلومترات شمال الدائرة القطبية الشمالية.
لكن ما يبرز أهميتها الإستراتيجية هو كونها مقر القاعدة الشمالية للجيش الأمريكي “ثول الجوية” التي تمتلك نظام “إنذار مبكر” يمكنه اكتشاف الصواريخ البالستية، ويمتد مداه إلى آلاف الكيلو مترات داخل روسيا.
وأيضًا تكتسب “جرينلاند” اهتمام القوى العالمية، بما في ذلك: الصين وروسيا والولايات المتحدة؛ بسبب موقعها الإستراتيجي ومواردها المعدنية.
ممر البحر الشمالي وشركة “ميرسك” الدنماركية
كانت شركة ميرسك للنقل البحري أرسلت، في العام الماضي، إحدى كبرى الحاويات الدنماركية عبر القطب الشمالي وممر بحر الشمال الروسي (الذي يمر عبر جرينلاند).
وذلك بعد ذوبان الجليد بنسبة كبيرة؛ ما أظهر إمكانية المرور من خلاله لتقليل وقت النقل البحري بين أمريكا وأوروبا وآسيا.
وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، آنذاك، أن الممر شهد عبور شحنات نفط وغاز طبيعي في الأعوام الأخيرة مع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
تراجع حجم الجليد
وقد تراجع حجم الجليد في القارة القطبية الشمالية إلى معدل قياسي ووصلت معدلاته في مضيق بيرنج إلى المستوى الأدنى في التاريخ خلال شهر مارس الماضي، وارتفعت درجات الحرارة بمعدل 30 فوق الأرقام المعتادة.
لكن شركة “ميرسك” سوف تبدأ تجربة مرور سفينة الحاويات متوسطة الحجم “فينتا” والتي تستوعب نحو 3600 حاوية.
وبحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية فإنها بهذه التجربة تختبر بديلًا لقناة السويس.
وكانت الولايات المتحدة عرضت شراء جزيرة “جرينلاند” مقابل 100 مليون دولار من الذهب الخالص عام 1946؛ أي ما يعادل 1.3 مليار دولار في الوقت الحالي.
لكن موتي إيجيدي؛ رئيس وزراء “جرينلاند” المنتخب، قال ردًا على تجديد دعوة “ترامب” مع بداية دخوله البيت الأبيض، في تعليق مكتوب: «جرينلاند ملكنا.. ونحن لسنا للبيع”.
اعتياد شراء الجزر
وبحسب ما نقلته شبكة “سي إن إن” الأمريكية فإن الولايات المتحدة اعتادت شراء الجزر والأراضي بالمال.
ففي عام 1917 اشترت ما تسمى اليوم “الجزر العذراء” من الدنمارك أيضًا مقابل 25 مليون دولار من الذهب؛ أي نحو 500 مليون دولار اليوم.
إضافة إلى أنها اشترت ألاسكا من روسيا في عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، ومنطقة لويزيانا الكبيرة.
وتمتد هذه المنطقة من نهر المسيسيبي إلى جبال روكي، من فرنسا مقابل 15 مليون دولار في عام 1803.
تهديد بالاستيلاء على قناة بنما
لا يتضح مدى جدية “ترامب” في التعامل مع تهديده باستعادة السيطرة على قناة بنما.
رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يقول فيها إن الولايات المتحدة تحصل على صفقة غير عادلة، ولم يوضح كيف سيجبر دولة صديقة ذات سيادة على التنازل عن أراضيها.
وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات لأنصاره اتهم “ترامب” بنما بـ”فرض أسعار باهظة” على الولايات المتحدة لاستخدام القناة.
كما ألمح إلى نفوذ صيني متزايد على الممر الحيوي.
وكتب على منصة “تروث سوشال”: “الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خاصة مع العلم بالكرم الاستثنائي الذي منحته الولايات المتحدة لها”.
الولايات المتحدة المستخدم الأول للقناة
وتعتبر الولايات المتحدة المستخدم الأول للقناة؛ إذ يتجه ما يزيد على 70 % من عمليات العبور من وإلى الموانئ الأمريكية.
وتولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة مع بداية القرن العشرين، خلال عهد الرئيس الأسبق ثيودور روزفلت؛ وتولت إدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن.
وكانت واشنطن وقّعت على معاهدة عام 1903 مع دولة بنما المستقلة حديثًا آنذاك.
وسمحت لها بتطوير مشروع القناة التي كانت مطلوبة بشدة لسنوات لربط المحيط الهادئ بالمحيط الأطلسي.
تحت سيطرة الولايات المتحدة
كان تم افتتاح القناة عام 1914، وظلت تحت سيطرة الولايات المتحدة حتى تم التوصل إلى اتفاق في 1977 ينص على تسليمها إلى بنما.
وكانت القناة تديرها الدولتان بشكل مشترك حتى احتفظت الحكومة البنمية بالسيطرة الكاملة، وفقًا لخطة الرئيس الراحل جيمي كارتر بالحياد وعدم التدخل.
في حين لم يؤيد الجميع تلك الخطة، ففي خطاب ألقاه عام 1976 قال المرشح الرئاسي -آنذاك- رونالد ريجان “شعب الولايات المتحدة هو المالك الشرعي لمنطقة القناة “، وكأن التاريخ يعيد نفسه حين أعلن دونالد ترامب نفس ما ردده “ريجان”!
لكن خوسيه راؤول مولينو؛ رئيس بنما -الغريب أنه رجل واشنطن- قال في بيان: “بصفتي رئيسًا أريد أن أعبّر بدقة عن أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها ينتمي إلى بنما، وسيظل كذلك، وسيادة واستقلال بلادنا غير قابلين للتفاوض”.
قناة نيكاراجوا ومطامع “ترامب”
تبقى السيطرة على قناة نيكاراجوا حلمًا صينيًا لدعم نفوذها من شنغهاي إلى القرن الإفريقى وصولًا إلى البحر المتوسط.
ويقلل هذا من المسافة بين “دول البريكس” ويحقق لها تمددًا إستراتيجيًا على حساب الولايات المتحدة؛ فتلك القناة تربط المحيط الأطلسي بالهادئ.
وقد يهدد “ترامب” يومًا بالسيطرة على قناة نيكاراجوا؛ لأنها تختصر نحو 400 كم من رحلة السفن التي تخرج من نيويورك في طريقها إلى سان فرانسيسكو، فهل يتحقق ذلك أم أن “أسطورة سيزيف” ستكون عنوان المرحلة؟!