هل استيقظت الغوريلا الأمريكية من ثباتها صباح يوم الجمعة الماضي؛ لتخرج على لسان الممثل التجاري الأمريكي بفرض عقوبات قصوى على استخدام السفن التى لا تديرها شركات صينية فحسب؛ بل وأيضًا السفن التي تم بناؤها ببساطة من التنين الصيني؟!
كنت قد كتبت في مقال نشر بمجلة عالم الموانئ العدد الخامس الصادر في نوفمبر 2024 مقالًا تحت عنوان: “ما مصير صراع التنين الصيني والغوريلا الأمريكية على صناعة بناء السفن؟”
رصدت فيه “الصداع” الذي تعيش فيه صناعة النقل البحري وتحديدًا صناعة بناء السفن وتراجعها أمام تمدد التنين الصيني حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن نوابًا بالكونجرس الأمريكي قد أثاروا قضية انهيار صناعة بناء السفن التجارية فى مواجهة التنين الصيني الذي يتمدد داخل الكثير من موانئ العالم في محاولة لحصار الغوريلا الأمريكية؛ إذ أرسل 10 نواب رسالة وقتها لـ جو بايدن؛ الرئيس الأمريكي السابق، يحذرون فيها من عواقب وخيمة إذا لم تراجع الولايات المتحدة صناعتها البحرية التجارية باعتبارها تمثل أمنًا قوميًا لها؛ إذ توقف إنتاج الولايات المتحدة من السفن التجارية التي تنتج نحو 1 % من الناتج المحلي لسفن في مواجهة الصين التي ارتفعت بنسبة 38.1 % والأسطول البحري الأمريكي الذي يملك 177 سفينة تجارية عام 2023؛ بينما الأسطول البحري الصيني في العام نفسه البالغ 1749!
فبعد تعريفة “ترامب” الجمركية جاء اقتراح الممثل التجاري الأمريكي بفرض عقوبات قصوى على استخدام السفن التي لا تديرها شركات صينية فحسب؛ بل وأيضًا السفن التي تم بناؤها ببساطة في الصين، في الموانئ الوطنية فسوف يكون بناء السفن أيضًا أحد المجالات التي ستحاول إدارة “ترامب” من خلالها مواجهة النمو الصيني في السنوات الأخيرة.
وأعلن الممثل التجاري الأمريكي عن اقتراح يستهدف السفن المصنعة في الصين وشركات الشحن الصينية؛ بفرض رسوم موانئ تتراوح من 500 ألف دولار إلى 1.5 مليون دولار لكل مكالمة.
كما ذكرت الصحافة الأمريكية، أن مكتب الممثل التجاري للبيت الأبيض بدأ في دراسة سبل تنفيذ المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 لمواجهة إستراتيجية الصين في الهيمنة على صناعة الشحن البحري في وقت مبكر من عام 2024.
ويمنح القانون الرئيس سلطة واسعة النطاق لاتخاذ إجراءات ضد الدول الأجنبية التي تمارس ممارسات تجارية غير عادلة. وقد قرر الممثل التجاري الأمريكي أن استهداف الصين للقطاعات البحرية واللوجستية وبناء السفن من أجل الهيمنة أمر غير معقول ويثقل كاهل التجارة الأمريكية أو يقيدها، وبالتالي فهو أمر قابل للتنفيذ”، مثلما كتب الممثل التجاري الأمريكي.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الشركات الصينية؛ مثل “كوسكو”؛ وهي تعد أكبر تكتلات بناء السفن في الصين وهي ملك الحكومة الصينية لن تشعر بالضغوط فقط؛ أي شركة شحن لديها سفينة صينية الصنع أو طلبية مقدمة في حوض بناء صيني قد تقع في فخ هذه الشبكة.
ويأتي الاقتراح، الذي لا يزال مفتوحًا للتعليق العام حتى 24 مارس 2025، في أعقاب قرار الممثل التجاري الأمريكي بأن الصين تهيمن بشكل غير عادل على صناعة بناء السفن العالمية من خلال الإعانات والسياسات الصناعية العدوانية والتمويل المدعوم من الدولة.
ومن المتوقع أن يخضع كل ميناء في الولايات المتحدة لأي سفينة تديرها مصالح صينية إما لرسوم قدرها مليون دولار لكل سفينة؛ لأي سفينة مهما كان حجمها، من القاطرات إلى ناقلات النفط العملاقة، أو 1000 دولار لكل طن من الوزن الساكن.
ويزعم الممثل التجاري الأمريكي أن نفوذ الصين “يثقل كاهل التجارة الأمريكية أو يقيدها” ويجعل صناعة بناء السفن الأمريكية في وضع حرج للغاية؛ فخلال الفترة من يناير إلى يونيو 2024، أكملت الصين مشاريع بناء للسفن بلغ في مجموعها 25.02 مليون طن من الوزن الساكن بزيادة نسبتها 18,4 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، مثلما تقول الأرقام التى نشرتها وكالة الانباء الصينية “شينخوا” وهذا يعكس نموًا ملحوظًا على أساس سنوي بنسبة 43,9 %. ويبقى السؤال: ما مصير حجم الطلبات القائمة 171,55 مليون طن من الوزن الساكن فى مواجهة هذا المقترح اذا تحول الى قرار؟!
ويتضمن الاقتراح أيضًا آلية لضمان نقل نسبة متزايدة “1 % بحلول هذا العام، و3 % بحلول عام 2027، و5 % بحلول عام 2028، و15 % بحلول عام 2032” من الصادرات الأمريكية على متن سفن تحمل العلم الأمريكي وجزء “5 % بحلول عام 2032” على متن سفن أمريكية الصنع.
وكان انهيار أعضاء لجنة الصناعة بالكونجرس قد دفع إلى المطالبة بالمزيد من الحوافز التجارية وإجراء تغييرات لدعم متطلبات قطاع النقل البحري وتكثيف تدريب البحارة التجاريين، ويبدو أنه لا يزال في “جراب” البيت الأبيض الكثير من قرارات إعادة الهيمنة الأمريكية إلى قطاع النقل البحري والحد من “غزو” التنين الصيني لعقر دار الغوريلا الأمريكية؟
وبقى أن أقول أن “الغوريلا” هو بمثابة نظام اقتصادي أمريكي؛ فالغوريلا تفكر قبل أن تأكل، بينما التنين وهو النظام الاقتصادي الصيني “يأكل ثم يفكر”!















