مجدي صادق يكتب: ترامب والكرة البلورية وصناعة الشحن البحري!

ترامب
A handout picture provided by the Saudi Royal Palace on June 29, 2019, shows Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman (R) shaking hands with US President Donald Trump during their meeting on the sidelines of the G20 Summit in Osaka, Japan. (Photo by Bandar AL-JALOUD / Saudi Royal Palace / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / SAUDI ROYAL PALACE / BANDAR AL-JALOUD" - NO MARKETING - NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS

بقلم: مجدي صادق

خلال مراسم افتتاح مركز “اعتدال” لمكافحة “الفكر المتطرف”، ضمن فعاليات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الرياض ومع خفوت الأضواء؛ قام وقتها ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بوضع أيديهم على “كرة بلورية مضيئة”.

وظهر ترامب وهو يلمس تلك الكرة؛ وقتها قال أحد متابعي إكس (تويتر سابقا) حين انتشر هذا المقطع من الفيديو “متأكد 100 % بأن ترامب تمنى شيئا عندما لمس الكرة البلورية المضية؛ فهل يملك اليوم ترامب الكرة البلورية وهو يدخل “حقل ألغام” العديد من دوائر النار حول العالم”!

ملفات مهمة على مكتب ترامب

فهناك ملفات مهمة وذات أبعاد استراتيجية على المكتب البيضاوي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب؛ في ظل ما أسماه بالحروب الاقتصادية وعوائدها.

بعيدًا عن القضايا السياسية، أرى أن هناك أربع أو خمس ملفات مرتبطة بصناعة الشحن وحركة التجارة العالمية، وأيضًا ذا أبعاد جيوسياسية وجيو استراتيجية معًا.

حرب التنين الصيني في مواجهة الغوريلا الأمريكية

يبدو أن حرب “الغوريلا” الأمريكية، وهو نظام اقتصادي رأسمالي مختلف في مواجهة “التنين” الصيني، ستشتعل أبان الحقبة الترامبية الثانية حين قال ترامب وهو يلقي خطابه المرتجل حال فوزه أمام أنصاره من الجمهوريين: “نحن نملك ما لا تملكه الصين” مع بروز الصين كمركز للنمو الاقتصادي العالمي”.

تطور سياسة أمريكا

وقد تطورت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين من حرب تجارية على وقع رسوم جمركية مشددة في عهد ترامب إبان رئاسته السابقة، إلى إجراءات هادفة تفرض على قطاع التكنولوجيا أو على الاستثمارات في عهد جو بايدن الآن أنه يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 60 %، في زيادة يتوقع أن يقابلها رد صيني.

شل التجارة بين أمريكا والصين

وهذا يهدد، بحسب الخبراء، بشل التجارة بين القوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم، وقد تبذل إدارة ترامب الجديدة من أجل إعادة توطين مراكز إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.

وكذلك من أجل رصد استثمارات كبرى في الإنتاج المحلي للسيارات الكهربائية، وفي سلاسل إمداد حساسة في ظل حصول ماسك موقعا مهما في إدارة ترامب.

تهدف سياسة تعريفات ترامب الجمركية إلى تشجيع المستهلكين على شراء البضائع الأمريكية؛ من خلال جعل السلع المستوردة أغلى ثمنًا.

رسوم جديدة

تخطط إدارة ترامب لفرض رسوم جديدة بقيمة 300 مليار دولار على البضائع الصينية، بما في ذلك الهواتف الذكية والألبسة، أي فرض الضرائب بشكل فعّال على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وقد ردت الصين بفرض رسومٍ على 110 مليارات دولار من المنتجات الأمريكية.

زيادة الطلب على الواردات الأمريكية

وفي ظل الإدارة الجديدة، يجب أن نتوقع زيادة إضافية في الطلب على الواردات الأمريكية في الأمد القريب؛ حيث سيجلب الشاحنون الذين لديهم سلع غير حساسة للوقت المزيد من السلع قبل أي تعريفات جديدة.

لكنه سيظل “ملفًا موجعًا” لكلا البلدين في ظل تنامي وتغلغل الصين إلى أسواق عالمية أخرى بديلة سواء في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو دول الاتحاد الأوروبي.

أقوى أسطول بحري تجاري

يأتي هذا في الوقت الذي تمتلك فيه الصين أقوى أسطول بحري تجاري يجوب العالم فهي معركة “كسر عظام” بين الشركات العالمية الأمريكية والصينية، في ظل محاولة الصين للهيمنة الاقتصادية وظهور الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية كبرى متكاملة.

ومازال النظام العالمي الجديد في طور التكوين، وعلى المدى الأبعد يجب أن نتوقع المزيد من التغييرات في أنماط سلاسل التوريد مع اشتعال الحرب التجارية الأمريكية الصينية.

ملف الإضرابات بالموانئ الأمريكية والكندية

يبدو أن شبح الاضرابات العمالية التي شهدتها الولايات المتحدة في أعتاب الحرب العالمية الثانية من 1945 على مدى عام كامل، في أكبر وأطول نزاع عمالي في البلاد، تغود برأسها مع نهاية حقبة بايدن ودخول ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض.

إضراب عمال الموانئ

ويعتبر الإضراب لعمال الموانئ على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الذي حدث خلال الأيام الأخيرة من عهد بايدن هو الأول لعمال الموانئ الأمريكية منذ قرابة خمسة عقود منذ عام 1977.

وطالبوا بزيادة كبيرة في الأجور، وحظر كامل لاستخدام الرافعات الآلية والبوابات، وشاحنات نقل الحاويات في تفريغ أو تحميل البضائع في الموانئ التي تتعامل مع حوالي نصف شحنات السفن في البلاد.

ترامب

قانون “تافت-هارتلي”

واعتبارًا من 15 يناير يجب أن تُرى الآن من خلال السؤال الإضافي حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستستدعي قانون “تافت-هارتلي”.

وهو قانون فيدرالي أمريكي صدر عام 1947، يحظر ممارسات نقابية تحريضية معينة ويتطلب الإفصاح عن أنشطة مالية وسياسية معينة تقوم بها النقابات.

بيان اتحاد العمال

ومثلما قال اتحاد عمال الموانئ في بيان: “تريد شركات النقل البحري التمتع بأرباح غنية بمليارات الدولارات التي تحققها في عام 2024، بينما تقدم لعمال الموانئ حزمة أجور غير مقبولة نرفضها.

ووفقًا للتقديرات، فإن الإضراب كان لمدة أسبوع فقط ما كلف الاقتصاد ما يقرب من 3.8 مليار دولار ويزيد من تكلفة السلع الاستهلاكية، والتي وصفت الوضع بأنه “حقل ألغام سياسي” لإدارة الرئيس ترامب.

ولأننا نتوقع زيادة إضافية في الطلب على الواردات الأمريكية في الأمد القريب؛ حيث سيجلب الشاحنون المزيد من السلع قبل أي تعريفات جديدة؛ فعلى الولايات المتحدة إعادة النظر في قانون “تافت هارتلى” فقد عفى الزمن عليه.

وأن يُعاد النظر في كيفية امتلاكها لأسطول بحري تجاري وتنشيط صناعة بناء السفن بأنواعها المختلفة.

وحتى في كندا، تستمر الإضرابات على الموانئ على الساحلين الشرقي والغربي، وكلما طالت مدة استمرارها، زاد تأثيرها على تدفقات التجارة في النطاق الشمالي للولايات المتحدة أيضًا.

وما يحدث في الموانئ الكندية وآخرها ميناء مونتريال يسمع في كافة الموانئ الأمريكية.

ملف البحر الأسود

منذ أيام الإمبراطورية الروسية وحتى الحقبة السوفياتية، شكل البحر الأسود أهمية لروسيا باعتباره الجناح الجنوبي لقوتها.

وقد ظل نقطة انطلاق يمكن لروسيا من خلالها تعزيز نفوذها في البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا.

في حين أن البحر الأسود يتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية هائلة لكل من روسيا وأوكرانيا.

لكن الدول الأخرى المطلة عليه لا سيما دول الناتو: تركيا وبلغاريا ورومانيا، لديها هي أيضا مصالح حيوية في البحر الأسود.

الهيمنة على البحر الأسود

وتجلى حرص الكرملين على الاحتفاظ بالهيمنة على منطقة البحر الأسود بالانخراط في صراعات إقليمية خلال السنوات الأخيرة.

وهو ما نجم عنها سيطرة موسكو على ثلث سواحل البحر الأسود رغم امتلاكها حوالي 10 % فقط من الخط الساحلي بموجب القانون الدولي.

بينما يرى الاتحاد الأوروبي أن البحر الأسود يعد ممرًا هامًا لنقل البضائع ومصادر الطاقة بين آسيا وأوروبا

واقتصاديًا، يُشكل البحر الأسود أهمية كبيرة لروسيا؛ حيث تصدر من موانئه جُل ما تنتجه من حبوب وأسمدة وسلع أخرى.

فيما تزايدت أهميته منذ الحرب كطريق تجاري يتيح للسفن التجارية الروسية الوصول إلى بلدان لم تنضم إلى العقوبات الغربية ضد روسيا.

كانت كييف تصدر أكثر من 50 % من إجمالي صادراتها عبر ميناء أوديسا؛ الذي يعد أكبر ميناء تملكه البلاد على البحر الأسود.

الحرب الروسية الأوكرانية

ومع اندلاع الحرب، قامت روسيا وأوكرانيا باستهداف السفن التجارية.

فيما يحذر خبراء من أنه في حالة استمرار الأمر؛ فسوف تعاني البلدان اقتصاديًا مع تداعيات تباطؤ التجارة عبر البحر الأسود.

بموجب اتفاقية مونترو المبرمة عام 1936؛ فإنها تنص على احتفاظ تركيا بسيادة كاملة على مضيق البوسفور والدردنيل.

وهما المنفذان البحريان الوحيدان لشحنات النفط والحبوب من دول البحر الأسود إلى البحر المتوسط الذي أغلقته للحفاظ على توازن القوة البحرية.

وبحكم سيطرتها على الوصول إلى البحر الأسود بموجب اتفاقيات دولية، تحتل تركيا موقعا جيواستراتيجيا رئيسيا، حيث باتت أهم شريك لحلف شمال الأطلسي في المنطقة؛ فضلًا عن كونها مركزًا تجاريًا لدول آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط.

ملف البحر الأحمر وجماعة الحوثي

ويبقى ملف أزمة البحر الأحمر أحد أخطر ملفات الشرق الأوسط.

ففاتورة أمريكا، فيما أعلنه من قبل وزير البحرية الأمريكية كارلوس ديل تورو أن “إنفاق مليار دولار على إحباط هجمات الحوثيين على السفن خلال 6 أشهر فقط، 130 هجوما على السفن العسكرية والتجارية الأمريكية في الشرق الأوسط عدا مليار دولار من الذخائر التي تحتاج إلى تجديدها”.

فمنذ 19 نوفمبر 2023؛ ينفذ الحوثيون هجمات على سفن تجارية مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها دعمًا لقطاع غزة (زيادة مليون دولار لسفن رأس الرجاء الصالح لرحلة السفينة).

وبحسب صندوق النقد الدولي؛ فإن النقل البحري للحاويات عبر البحر الأحمر انخفض بنسبة 30 % تقريبًا خلال عام واحد.

أرقام الاتحاد الأوروبي

كما تعبر في المنطقة ما بين 12 % و 15 % من حجم التجارة العالمية، بحسب أرقام الاتحاد الأوروبي، في ظل ارتفاع أجور البحارة على السفن والناقلات وأسعار عقود وتأمين الشحن البحري، مع فرض رسوم تغطية المخاطر المرتبطة بالنزاعات.

إضافة إلى زيادة كبيرة في تكلفة الشحن نتيجة سلوك مسار بديل أطول لكن تحول “الجهاد” الحوثي إلى أرقام 180 مليون دولار شهريا في حسابات قادة جماعة الحوثي مقابل عدم التعرض لسفن بعضا من الشركات العالمية.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه على طاولة الحوار مع دخول ترامب البيت الأبيض وبداية عصر ترامبي جديد، ماذا ستكون خريطة الشحن العالمي وحركة التجارة البحرية، وهل يملك بالفعل تلك الكرة البلورية السحرية لتجاوز تلك الألغام السياسية؟