قررت الصين، التي تستفيد من دخل سنوي يبلغ 160 مليار دولار من صادراتها عبر ممر البحر الأحمر، نشر أسطول بحري إلى هذا الممر الملاحي الدولي.
مهمة صينية في البحر الأحمر
ويأتي هذا القرار في سياق زيادة تأثير بكين في المنطقة، ويُفسر على أنه رسالة تحذير للولايات المتحدة وضغط بدون تصعيد، ويُتوقع أيضًا تنسيق بين الصين وإيران في هذا السياق، نظرًا لتحالفهما القوي.
وفي سياق متصل، تأسست التحالفات “حارس الإزدهار” و”أسبيدس” من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التوالي، مما يعكس التوترات الجارية في المنطقة، كما يمر سنويًا عبر مضيق باب المندب حوالي 160 مليار دولار من الصادرات الصينية، وتصاعدت التكاليف بسبب التدخل الحوثي والتوترات في المنطقة.
وفقًا لتقديرات حديثة من صندوق النقد الدولي، فإن شحن الحاويات عبر البحر الأحمر قد شهد انخفاضًا بنسبة تقريبية تصل إلى 30 في المئة خلال عام واحد.
قلق الصين إزاء تصاعد التوترات في البحر الأحمر
وتعبر الدكتورة نادية حلمى، المتخصصة في الشؤون الصينية، في تصريحات متلفزة عن قلق الصين إزاء تصاعد التوترات في منطقة البحر الأحمر واحتمال تفاقم النزاعات في حال استمرار الأحداث العسكرية في قطاع غزة أو توسيع نطاقها لتشمل مدينة رفح الفلسطينية.
وأشارت الدكتورة نادية حلمى، إلى أن الصين تسعى لحماية مصالحها في البحر الأحمر وفي أفريقيا، التي استثمرت فيها بشكل كبير، مؤكدة أن الصين تُعتبر البحر الأحمر مسارًا حيويًا للبضائع الصينية المتجهة إلى أوروبا، حيث تمر 99 في المئة من سفن الحاويات بين الصين وأوروبا عبر قناة السويس قبل ديسمبر 2023.
وتابعت: “ولكن، تأثرت هذه الطريق بسبب هجمات الحوثيين على السفن، مما دفع البعض إلى تغيير مسارهم عبر أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى زيادة في التكاليف والوقت وتباطؤ في حركة التجارة الدولية، ويُعد هذا التواجد تأكيدًا على التزام الصين بتأمين مصالحها، خصوصًا في ظل تصاعد صراع القوى العظمى وتزايد العسكرة في المنطقة”.
الصين تسعى إلى الوجود الأمني
واستكملت: “تسعى الصين إلى تعزيز الوجود الأمني والدفاعي والتأميني في منطقة البحر الأحمر، بهدف تقليل آثار الصراع فيها”، مشيرة إلى أن الصين تأكدت من رفضها لأنشطة الحوثيين، ورفضها الانضمام إلى تحالف الازدهار الأميركي البريطاني، كما أدانت الضربات الجوية التي تستهدف اليمن وامتنعت عن التصويت على القرارات المتعلقة بالصراع في مجلس الأمن، بهدف المحافظة على العلاقات الجيدة مع الدول العربية.
وواصلت: “وتمارس الصين ضغطًا على الولايات المتحدة للمساهمة في حل الأزمة الرئيسية في قطاع غزة، ويعتبر موقف الصين من التطورات في المنطقة، خاصةً في منطقة البحر الأحمر، واضحًا، حيث ترى بكين أن التوترات في البحر الأحمر ناجمة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وترى أن الحل لاستعادة الأمان في المنطقة يتمثل في ضغط إسرائيل لوقف الحرب في غزة”.
أسباب تواجد الصين في البحر الأحمر
ومن وجهة نظر أخرى، تحلل الخبيرة الأميركية المتخصصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، أسباب تواجد الصين في البحر الأحمر في عدة نقاط، حيث تشير إلى أن هناك مصدراً مشروعاً للقلق بشأن السفن الصينية، وذلك نظراً لتراجع الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وضعف الترسانة الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى عدم تواجد قوي للدول الأوروبية في المنطقة.
كما أشارت إلى أن الصين لا تواجه تهديدات دفاعية تستدعي نقل أسطولها إلى هذه المنطقة، وأن سفنها تحظى بالحماية من الحوثيين، وبالنسبة لتحالفها مع إيران، فإنها لا ترى تهديداً من هذا الجانب نظراً لحجم التجارة بين البلدين، وترى أن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة وتأكيد قوتها، وتوجيه رسالة تؤكد أن الصين أصبحت قوة بحرية قوية لا ينبغي التهاون معها.
وتشير تسوكرمان إلى أن هذا الظهور الصيني ليس ناتجاً عن أحداث معينة في البحر الأحمر، بل هو نتيجة لتحركات صينية متزايدة نحو المنطقة، سواء من خلال العلاقات التجارية أو التعاون الدفاعي، تحت مسمى مهمة الحراسة.
سبب اختيار توقيت الظهور الصيني
وبالنسبة لاختيار توقيت الظهور الصيني، تشير تسوكرمان إلى أن الصين تفضل هذا التوقيت لتشتيت البحرية الأميركية بين بحر الصين الجنوبي وخليج عدن، والهدف هو إظهار القوة الصينية في التصدي للولايات المتحدة في هاتين المنطقتين.
وأضافت أنه ليس هذا فقط اختبارًا للقدرات العسكرية الأميركية، بل هو تحدي للإرادة السياسية، والصين تدرك ضعفها في هذا التوقيت، خاصةً مع استقطاب الكونغرس بسبب الاعتبارات الحزبية في فترة الانتخابات، ويأتي هذا التحرك وسط تردد الإدارة الأميركية في مواجهة الخصوم الرئيسيين، والصين تستفيد من هذا الوعي لتعزيز مكانتها.